الاثنين، 28 فبراير 2011

أي الناس أحب إليك ؟

تكون أقوى الناس قدرة على أستعمال المهارات التعامل مع الآخرين عندما تتعامل مع كل أحد تعاملاً رائعاً يجعله يشعر انه أحب الناس إليك... فتتاعمل مع أمك تعاملاً رائعاً مشبعاص بالتفاعل والأنس والاحتفاء إلى درجة أنها تشعر أن هذا التعامل الراقي لم يلقه أحد منك قبلها

وقل مثل ذلك عند تعاملك مع أبيك ... مع زوجتك ... أولادك ... زملأك ... بل قل مثله عند تعاملك مع من تلقاهم مرة واحدة...كبائع في دكان ... أو عامل في محطة وقود

كل هؤلاء تستطيع أن تجعلهم يجمعون على أنك أحب الناس إلأيهم إذا أشعرتهم أنهم احب الناس إليك ... وقد كان صلى الله عليه وسلم قدوة في ذلك

إذ أن من تتبع سيرته... وجد أنه كان يتعامل بمهارات أخلاقية راقية ... فيعامل كل أحد يلقاه بمهارات من احتفاء وتفاعل وبشاشة... حتى يشعر ذلك الشخص أنه أحب الناس إليه ... وبالتالي يكون هو أيضاً صلى الله عليه وسلم أحب الناس إليهم ... لأنه أشعرهم بمحبته

كان عمرو بن العاص رضى الله عنه داهية من دهاة العرب .... حكمة وفطنة وذكاءً... فأدهى العرب أربعة....عمرو واحد منهم

أسلم عمر وكان رأساً في قومه... فكان إذا لقي النبي صلي الله عليه وسلم في طريق رأى البشاشة والبشر والمؤانسة ... وإذا دخل مجلساً فيه النبي صلى الله عليه وسلم رأى الاحتفاء والسعادة بمقدمه ... وإذا دعاه النبي صلى الله عليه وسلم ناداه بأحب الأسماء إليه

شعر عمرو بهذا التعامل الراقي ... ودوام الاهتمام والتبسم أنه أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فأراد أن يقطع الشك بالقين ... فأقبل يوماً إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجلس إليه... ثم

قال : يار سول الله ... أي الناس أحب إليك؟

فقال صلى الله عليه وسلم : عائشة

قال عمرو : لا من الرجال يارسول الله ؟ لست أسئلك عن أهلك ...

فقال صلى الله عليه وسلم : أبوها

قال عمرو :ثم من ؟

قال : ثم عمر بن الخطاب

قال :ثم اي ؟

فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعدد رجالاً ... يقول : فلان .... ثم فلان بحسب سبقهم إلى الإسلام ...وتضحيتهم من أجله

قال عمرو : فسكت مخافة أن يجعلني في آخرهم

فنظر كيف أستطاع صلى الله عليه وسلم أن يمكتلك قلب عمرو بمهارات أخلاقية مارسها معه ... بل كان عليه الصلاة و السلام ينزل الناس منازلهم... وقد يترك أشغاله لأجلهم ... لإشعارهم بمحبته لهم وقدرتهم عنده

لما توسع صلى الله عليه وسلم بالفتوحات وبدأ ينتشر الأسلام .... جعل صلى الله عليه وسلم يرسل الدعاة من عنده لدعوة القبائل إلى اسلام... وربما أحتاج الأمر أن يرسل جيشاً...وكان عدي بن الحاتم الطائي ... ملكاً أبن ملك... أرسل النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً إلي قبيلة (طيء) ...وكان عد قد هرب من الحرب فلم يشهدها ...واحتمى بالروم في الشام

وصل جيش المسلمين إلى ديار طيء ... كانت هزيمة طيء سلة ... فلا ملك يقود... ولا جيش مرتب...وكان المسلمين في حروبهم ...يحسنون إلى الناس ...ويعطفون وهم ف قتال ... كان المقصود صد كيد قوم عدي عن المسلمين .... وأظهار قوة المسلمين لهم

أسر المسلمين بعض قوم عدي ...وكان من بينهم أخت لعدي بن حاتم ... مضوا بالأسرى إلى المدنية ... حيث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرو النبي صلى الله عليه وسلم بفرار عدي إلى الشام ... فعجب صلى الله عليه وسلم من فراره!! كيف يفر من الدين؟ كيف يترك قومه؟

لكن لم يكن إلى الوصول إلى عدي سبيل... لم يطب المقام لعدي في دار الروم... فاضطر للرجوع لديار العرب... ثم لم يجد بداً من أن يذهب إلى المدينة للقاء النبي صلى الله عليه وسلم ومصالحته... أو التفاهم على شيء يرضيهما

يقول عدي وهو يحكي القصة ذهابة إلى المدنية: مارجل من العرب كان أشد كراهة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني... وكنت على دين النصرانية فلما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم كرهته كراهية شديدة॥فخرت حتى قدمت الروم على قيصر

قال : فكرهت مكاني ذلك

فقلت : والله لو أتيت هذا الرجل ... فإن كان كاذاً لم يضرني ... وإن كان صادقاً علمت ... فقدمت فأتيته

فلما دخلت المدينة جعل الناس يقلون : هذا عدي بن الحاتم ... هذا عدي بن الحاتم ... فمشيت حتى أتيت فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد فقال لي: عدي بن الحاتم

قلت : عدي بن الحاتم

فرح النبي صلى الله عليه وسلم بمقدمه ... واحتفى به ...مع أن عدياً محاربللمسلمين وفارُ من الحرب ... ومبغض الإسلام ... ولا جىء إلى النصارى

ومع ذلك لقيه صلى الله عليه وسلم بالبشاشة والبشر ॥ وأخذ بيده يسوقه معه إلى البيته ... عدي وهو يمشي بجانب النبي صلى الله عليه وسلم يرى أن الرأسين متساويان...!!
فمحمد صلى الله عليه وسلم ملك على المدينة وما حولها ... وعدي ملك على جبال طي وما حولها
ومحمد صلى الله عليه وسلم على دين سماوي ( الإسلام) ... وعدي على دين سماوي ( النصرانية)
ومحمد صلى الله عليه وسلم عنده كتاب منزل ( القران) ... وعدي عنده كتاب منزل ( الإنجيل)
كان عدي يشعر أنه لا فرق بينهما إلا في القوة والجيش
في أثناء الطريق وقعت ثلاث مواقف
بينما هما يمشيان إذا بامرأة قد وقفت في وسط الطريق فجعلت تصيح : يا رسول الله ... لي إليك حاجة ...فانتزع النبي صلى الله عليه وسلم يده من عدي ومضى إليها ... وجعل يستمع إلى حاجتها
عدي بن الحاتم ... الذي قد عرف الملوك والوزراء جعل ينظر إلى هذا المشهد ... ويقارن تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الناس بتعامل من رآهم من قبل من الرؤساء والسادة ...فتأمل طويلاً ثم قال : والله ماهذه بأخلاق الملوك ... هذه أخلاق الأنبياااااء
وأنتهت المرأة من حاجتها ...فعاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى عدي ... ومضيا يمشيان ...فبينما هما كذلك ...فإذا برجل يقبل على النبي صلى الله عليه وسلم ...فماذا قال الرجل ؟
هل قال : يا رسول الله عندي أموال زائدة أبحث لها عن فقير؟! أم قال : حصدت أرضي وزاد عندي الثمر...فماذا أفعل به؟
ياليته قال شيئاً من ذلك ...لعل عدياً إذا سمعه يشعربغنى المسلمين وكثرة أموالهم
قال الرجل : يا رسول الله ...أشكوك إليك الفاقة والفقر...ماكادا هذا الرجل يجد طعاماً يسد به جوعة أولاده... ومن حوله من المسلمين يعشون على الكفاف ليس عندهم مايساعدونه به
قال الرجل هذه الكلمات وعدي يسمع ... فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم ... بكلمات ومضى ... فلما مشيا خطوات
أقبل رجل أخر قال : يارسول الله أشكو إليك قطع الطريق!!
يعني أننا يا رسول الله لكثرة أعدائنا حولنا لا نأمن أن نخرج عن بنيان المدينة لكثرة من يتعرضنا من كفار أو لصوص
أجابه النبي صلى الله عليه وسلم بكلمات ومضى ...جعل عدي يقلب الأمر في نفسه ... هو في عز وشرف في قومه ... وليس له أعداء يتربصون به
فلماذا يدخل هذا الدين الذي أهله في ضعف ومسكنة ... وفقر وحاجة
وصلا إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم ...فدخلا ... فإذا وسادة واحدة فدفعها النبي صلى الله عليه وسلم إلى عدي إكراماً له .... وقال : خذ هذه فاجلس عليها ... فدفعها عدي إليه قال : بل اجلس عليها أنت ... فقال صلى الله عليه وسلم بل أنت ... حتى أستقرت عند عدي فجلس عليها
عندها ... بدأ النبي صلى الله عليه وسلم يحطم الحواجز بين عدي والإسلام ...يا عدي أسلم ...تسلم ... أسلم تسلم
قال عدي : إني على دين
فقال صلى الله عليه وسلم : أنا أعلم بدينك منك
قال : أنت أعلم بديني مني؟
قال : نعم ... ألست من الركوسية
والركوسية ديانة نصرانية مشربة بشيء من المجوسية ...فمن مهارات صلى الله عليه وسلم في الإقناع أنه لم يقل ألست نصرانياً ... وإنما تجاوز هذه المعلومة إلى معلومة أدق منها فأخبره بمذهبه في النصرانية تحديداً
كما لو لقيك شخص في أحد بلاد أوربا وقال لك : لماذا لا تتنصر؟
فقلت : إني على دين
فلم يقل لك : ألست مسلماً ... ولم يقل : ألست سنياً ... وإنما قال : ألست شافعياً أو حنبلياً عندها ستدرك أنه يعرف كل شيء عن دينك
فهذا الذي فعله المعلم الأول صلى الله عليه وسلم مع عدي ... قال : ألست من الركوسية
فقال عدي : بلى
فقال صلى الله عليه وسلم : فإنك إذا غزوت مع قومك تاكل فيهم المرباع؟ (المرباع : إذا غزوت القبيلة قسم رئيسها الغنيمة أربعة أقسام فأخذ الربع له وحده وهذ حرام في دين النصرانية, جائز عند العرب)
قال : بلى
فقال صلى الله عليه وسلم : فإن هذا لا يحل لك في دينك
فتضعضع لها عدي ... وقال : نعم
فقال صلى الله عليه وسلم : أما إني أعلم الذي يمنعك ن الإسلام
أنك تقول : إنما اتبعه ضعفة الناس ومن لا قوة لهم وقد رمتهم العرب
ياعدي ... أتعرف الحيرة ؟ (الحيرة : مدينة بالعراق)
قلت : لم أرها وقد سمعت بها
قال : فوالذي نفسي بيده ليتمن الله هذا الأمر حتى تخرج الظغينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد
أي سيقوى الإسلام إلى درجة أن المرأة المسلمة الحاجة تخرج من الحيرة حتى تصل إلى مكة ليس معها إلا محرم ... من غير أحد يحميها
وتمر على مئات القبائل فلا يجرؤ أحد أن يتعدي عليها أو يسلبها مالها ... لأن المسلمين صار لهم قوة وهبية ... إلى درجة أن أحداً لا يجرؤ على تعرض لمسلم خوفاً من انتصار المسلمين له
فلما سمع عدي ذلك ... جعل يتصور المنظور في ذهنه ... امرأة تخرج من العراق حتى تصل إلى مكة ... معنلا ذلك أنها ستمر بشمال الجزيرة ... يعني ستمر بجبال طي ... ديار قومه
فتعجب عدي وقال في نفسه : فأين عنها ذُعّار طي الذين سعروا البلاد!! ثم قال صلى الله عليه وسلم : وليفتحن كنوز كسرى بن هرمز
قال كنوز أبن هرمز ؟
قال : نعم كسرى بن هرمز ... ولتنفقن أمواله في سبيل الله
قال صلى الله عليه وسلم : ولئن طالت بك الحياة لترن الرجل يخرج بملء كفه من ذهب أو فضة يطلب منيقبله منه فلا يجد أحداً يقبله منه
يعني من كثرة المال يخرج الغني يطوف بصدقته لا يجد فقيراً يعطيه إياها ... ثم بدأ صلى الله عليه وسلم يعظ عديا ص ويذكره بالأخرة
فقال : وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه ليس بينه وبينه ترجمان , فينظر إلى يمينه فلا يرى إلا جنهم , وينظر عن شماله فلا يرى إلا جنهم
سكت عدي متفكراً
ففاجأه صلى الله عليه وسلم : يا عدي ... فما يفرك أن تقول لا إله إلا الله ؟... أو تعلم من إله أعظم من الله؟!
قال عدي: فإني حنيف مسلم ... أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
فتهلل وجه النبي صلى الله عليه وسلم فرحاً مستبشراً
قال عدي بن حاتم : فهذه الظعينة تخرج من الحيرة تطوف بالبيت في غير جوار... ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى ...والذي نفسي بيده لتكونن الثالة لن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قالها
فتأمل كيف كان هذا الأنس منه صلى الله عليه وسلم لعدي... وهذا الاختفاء الذي قابله به ... حتى شعر به عدي ... تأمل كيف كان كل ذلك جاذباً لعدي للدخول في الإسلام ... فلو مارسنا هذا الحب مع الناس ... مهما كانو... لملكنا قلوبهم
فكرة
بالرفق واستعمال مهارات التعامل والإقناع
نستطيع أن نحقق ما نريد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق