الأحد، 6 مارس 2011

الحيونات

من صارت المهارات الحسنة دينية... تحولت إلى طبع يخالط دمه وعقله ... لا ينفك عنه أبداً
فتجده دائماً ليناً هيناً رفيقاً متحملاً عطوفاً ... مع كل أحد ... حتى مع الحيونات ... والجمادات
كان الرسول صلى الله عليه وسلم في سفر ...فنطلق ليقضي حاجته ... فرأى بعض الصحابة حُمرة معها فرخان ... فأخذ بعضهم فرخيها
فجاءت الحمرة ... فجعلت تحوم حولهم وترفرف بجناحيها ...فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم ورآها
التفت لى أصحابه وقال : من فجع هذه بولدها ؟ ردوا ولها إليها
وفي يوم آخر ... رأى صلى الله عليه وسلم قرية نمل قد أُحرقت ... فقال : من أحرق هذه ؟
قال بعض الصحابة : أنا
فغضب وقال : لا ينبغي أن يُعذب بالنار إلا رب النار
وكان صلى الله عليه وسلم من رأفته ... أنه إذا توضأ وأقبلت إليه هرة ... أصغى لها الإناء ... فشرب ... ثم يتوضأ بفضلها
ومرّ صلى الله عليه وسلم يوماً عللى رجل ملقياً شاة على الأرض ... وقد وضع رجله على صفحة عنقها ممسكاً لها ليذبحها ...وهو يحد شفرته ... وهي تلحظ إليه ببصرها
فغضب صلى الله عليه وسلم لما رآه ... وقال : أتريد أن تميتا موتتين ؟هلا حددت شفرتك قبل أن تضجعها ؟
ومر يوماً برجلين يتحدثان ... وقد ركب كل منها على بعيره ... فلما رآهما رحم البعيرين ... ونهى أن تتخذ الدواب كراسي
يعني لا تركب البعير إلا وقت الحاجة فقط ... فإذا انتهيت حاجتك فانزل يرتاح ... نهى صلى الله عليه وسلم عن وسم الدابة في الوجه
من أطرف ما ذكر ... أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم ناقة تسمى العضباء... ثم إن نفراً من المشركين اغاروا على إبلِ للمسلمين ...كانت ترعى في أطراف المدينة ... فذهبوا بها ... وكانت العضباء فيها ... وأسروا امرأة من المسلمين ... واستاقوها معهم ... وهرب المشركين ... بالمرأة والإبل ... وكان إذا نزلو اثناء الطريق ... أطلقوا الإبل ترعى حولهم
فنزلوا منزلاً فناموا... فقامت المرأة بالليل لتهرب منهم ... فأقبلت إلى الإبل لتركب إحداها
فجعلت كلما أتت على بعير رغا بأعلى صوته ... فتتركه خوفاً من استيقاظهم ... وجعلت تمر على افبل واحداً واحداً ... حتى أتت على العضباء
فحركتها فإذا ناقة ذلول مجرسة ... فركبتها المرأة ... ثم وجهتها نحو المدينة ... فانطلقت العضباء مسرعة
فلما شعرت المرأة بالنجاة ... أشتد فرحها ... فقالت : اللهم إن لك عليَّ نذراً ... إن أنجيتني عليها أن أنحرها ...!!
وصلت المرأة إلى المدينة ... فعرف الناس ناقة النبي صلى الله عليه وسلم ... نزلت المرأة في بيتها ومضوا بالناقة إلى النبي صلى الله علية وسلم ... فجاءت المرأة تطلب الناقة لتنحرها !!
ثم قال صلى الله عليه وسلم : " لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم "
فلماذا لا تحول مهارارتك في تعامل - كالرفق البشر والكرم - إلى سجية تلازمك على جميع أحوالك ... مع كل شيء تتعامل معه ... حتى الحيونات بل والجمادات والأشجار ...!!
كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم يوم الجمعة ... فيسند ظهره إلى جذع منصوب في المسجد فيخطب الناس
فقالت امرأة من الأنصار : يا رسول الله ... ألا أجعل لك شيئاً تقعد عليه ... فإن لي غلاماً نجاراً
قال : إن شئت
فعملت له المنبر...
فلما كان يوم الجمعة ... صعد النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر الذي صنع له
فلما فعد صلى الله عليه وسلم على ذلك المنبر....خار الجذع كخور الثور ... وصاحت النخلة ... حتى كادت تنشق ... وارتج المسجد
فنزل النبي صلى الله عليه وسلم فضم الجذع إليه ... فجعلت النخلة تئن أنين الصبي الذي يُسكَت حتى استقرت
ثم قال صلى الله عليه وسلم : ( أما والذي نفس محمد بيده ... لو لم ألتزمه لما زال هكذا إلى يوم القيامة )
إشارة
الله كرّم الإنسان ...
ولكن ذلك لا يفتح المجال له لاضطهاد بقية المخلوقات

السبت، 5 مارس 2011

مع المخالفين

الكفار ... كان صلى الله عليه وسلم يعاملهم بالعدل... ويستميت في سبيل دعوتهم وإصلاحهم ... ويتحمل أذاهم ... ويتغاضى عن سوئهم

كيف لا ... وقد قال له ربه : ( وما أرسلناك إلا رحمة
لمن ؟! للمؤمنين ؟!
لا ... ( إلا رحمة للعالمين )

وتأمل حال اليهود ... يذمونه ويبتدئون بالعدواة ... ومع ذلك يرفق بهم

وعن عائشة رضى الله عنها قالت : إن اليهود مروا ببيت النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : السام عليكم ( أى : الموت عليكم )

فقال صلى الله عليه وسلم : وعليكم

فلم تصبرعائشة لما سمعتهم ... فقالت : السام عليكم ... ولعنكم الله وغضب عليكم

فقال صلى الله عليه وسلم :مهلاً ياعائشة ... عليك بالرفق ... وإياك والعنف والفحش

فقالت : أو لم تسمع ما قالوا؟

فقال : أو لم تسمعي ما قلت ؟! رددت عليهم فيستجاب لي ... ولا يستجاب لهم فّي... نعم ما الداعي إلى مقابلة السباب بالسباب! أليس الله قد قال له (وقولوا لناس حُسْناً )
وفي يوم ... خرج النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في غزوة ... فلما كانوا في طريق عودتهم ... نزلوا في واد كثير الشجر ... فتفرق الصحابة تحت الشجر وناموا ... وأقبل صلى الله عليه وسلم إلى شجرة فعلق سيفه بغصن من أغصانها ... وفرش ونام
في هذه الأثناء كان رجل من المشركين يتبعهم ... فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم خالياً ...أقبل يمشي بهدوء ... حتى التقط السيف من على الغصن... وصاح بأعلى صوته : يامحمد ... من يمنعك مني؟

فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ... والرجل قائم على رأسه ... سيف في يده ... يلتمع منه الموت ... كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وحيداً ... ليس عليه إلا إزار ...أصحابه متفرقون عنه ... نائمون ... والرجل يعيش نشوة القوة والانتصار ... ويردد : من يمنعك منى ؟ من يمنعك مني؟
فقال صلى الله عليه وسلم بكل ثقة : الله
فانتفظ الرجل وسقط السيف

فقام صلى الله عليه وسلم والتقط السيف وقال : من يمنعك مني ؟

فتغير الرجل ... واضطرب ... وأخذ يسترحم النبي صلى الله عليه وسلم ... ويقول : لا أحد ... كن خير آخذ ...

فقال له صلى الله عليه وسلم :تسلم ؟
قال : لا ... ولكن لا أكون في قوم هم حرب لك ... فعفا عنه صلى الله عليه وسلم ... وأحسن إليه!!
وكان الرجل ملكاً في قومه ...فانصرف إليهم فدعاهم إلى الإسلام ... فأسلمو ... نعم أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم ...

بل حتى مع الأعداء الألداء كان صلى الله عليه وسلم له خلق عظيم ... كسب به نفسهم ... وهدى قلوبهم ... ودحر به كفرهم

لما ظهر صلى الله عليه وسلم بدعوته بين الناس ... جعلت قريش تحاول حربه بكل سبيل ... وكان مما بذلته أن تشاور كبارهم في التعامل مع دعوته صلى الله عليه وسلم ... وتسارع الناس للإيمان به

فقالوا: انظرو أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر فليأت هذا الرجل الذي فرق جماعتنا ... وشتت أمرنا ... وعاب ديننا ... فليكلمه ولينظر ماذا يرد عليه

فقالوا: ما نعلم أحد غير عتبة بن ربيعة

فقالوا: أنت يا أبا الوليد ... وكان عتبة سيداً حليماً
فقال : يامعشر قريش ... اترون ان أقوم إلى هذا فأكلمه ... فأعرض عليه أموراً لعله ان يقبل منها بعضها
قالوا: نعم يا أبا الوليد
فقام عتبة وتوجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ... دخل عليه فإذا هو صلى الله عليه وسلم جالس بكل سكينة ... فلما وقف عتبة بين يديه ... قال : يامحمد ! أنت خير أم عبد الله ؟!
فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ... تأديباً مع أبيه عبد الله
فقال : أنت خير أم عبد المطلب ؟
فسكت صلى الله عليه وسلم ... تأدباً مع جده عبد المطلب
فقال عتبة : فإن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد عبدوا الآلهة التي عِبتَ... وإن كنت تزعم أنك خير منهم ...فتكلم حتى نسمع قولك
وقبل أن يجيب النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة... ثار عتبة وقال :
إنا والله ما رأينا سخلة قط أشأم على قومه منك !! ... فرقت جماعتنا ... وشتت أمرنا ... وعبت ديننا ... وفضحتنا في العرب ... حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحراً ... وأن في قريش كاهناً ... والله ما ننتظر إلا مثل صيحة الحلبى ... أن يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف حتى نتفانى
كان عتبة متغيراً غضبان ... والنبي صلى الله عليه وسلم ساكت بكل أدب ... وبدأ عتبة يقدم إغراءات ليتخلى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدعوة
فقال : أيها الرجل إن كنت جئت بالذي جئت به لأجل المال ... جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلاً
وان كنت إنما بك حب الرئاسة ... عقدنا ألويتنا لك فكنت رأساً ما بقيت ... وإن كان إنما بك الباه والرغبة في النساء ...فاختر أىَّ نساء قريش فلنزوجك عشراً ...!!
وإن كان هذا الذي ياتيك رئياً من الجن تراه ... لا تستطيع رده عن نفسك ...طلبنا لك الطب... وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه ... فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يتداوى منه
ومضى عتبة يتكلم بهذا الأسلوب السيئ مع الرسول الله صلى الله عليه وسلم ...ويعرض عليه عروضاً ويغريه ... والنبي عليه الصلاة ة السلام ينصت إليه بكل هدوء ... وانتهت العروض ... ملك ... مال ... نساء ... علاج جنون !!
سكت عتبة ... وهدأ... ينتظر الجواب ... فرفع النبي عليه الصلاة والسلام بصره إليه وقال بكل هدوووووء : أفرغت يا أبا الوليد ؟
لم يستغرب عتبة هذا الأدب من الصادق المين ... بل قال باختصار : نعم
فقال صلى الله عليه وسلم : أسمع مني
قال : أفعل
فقال صلى الله عليه وسلم : بسم الله الرحمن الرحيم (حم × تنزيل من الرحمن الرحيم × كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون ×بشيراً ونذيرً فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون....)
ومضى النبي عليه الصلاة واسلام ... يتلوا الآيات وعتبة يستمع ... وفجأه جلس عتبة على الأرض ... ثم اهتز جسمه ... فألقى يديه خلف ظهره ... واتكأ عليها... وهو يستمع ... ويستمع
والنبي يتلو ... يتلو ... حتى بلغ قوله تعالى ( فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود )
فانتفض عتبه لما سمع التهديد بالعذاب ... وقفز ووضع يديه على فم رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ليوقف القراءة
فاستمر صلى الله عليه وسلم يتلو الآيات ... حتى انتهى إلى الآية التي فيها سجدة التلاوة ... فسجد ... ثم رفع رأسه من سجوده ...ونظر إلى عتبة وقال : سمعت يا أبا الوليد ؟
فال : نعم
فقال : فأنت وذاك
فقام عتبة يمشي إلى أصحابه ... وهم ينتظرونه متشوقين
فلما أقبل عليهم ... قال بعضهم لبعض : نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به
فلما جلس إليهم ... قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد ؟
فقال : ورائي أني والله سمعت قولاص ما سمعت مثله قط ... والله ما هو بالشعر ...ولا السحر ...و لا الكهانة
يا معشر قريش : أطعوني واجعلوها بي ...خلوا بين هذا الرجل وبين ماهو فيه ... فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم ...يا قوم!!
قرأ بسم الله الرحمن الرحيم ( تنزيل من الحمن الحيم ) حتى بلغ : ( فقل انذرتكم صاعقة عاد وثمود ) فأمسكته بفيه ... وناشدته الرحم أن يكف ... وقد علمتم أن محمداً إذا قال شيئاً لم يكذب ... فخفت أن ينزل بكم العذاب
ثم سكت أبو الوليد قليلاً متفكراً
وقومه واجمون يحدون النظر إليه
فقال : والله إن لقوله لحلاوة ... وإن عليه لطلاوة ... وإن أعلاه لمثمر ... وإن أسفله لمغدق ... وإنه ليعلمو وما يعلى عليه ... وإنه ليحطم ماتحته ... ومايقول هذا بشر ... مايقول هذا بشر
قالوا : هذا شعر يا أبا الوليد ... شعر
فقال : والله ما رجل أعلم بالأشعار منى ... ولا أعلم برجزه ولا بقصيده منى ... ولا بأشعار الجن ... والله مايشبه هذا الذي يقول شيئاً من هذا
ومضى عتبة يناقش قومه في امر رسول الله صلى الله عليه وسلم ...صحيح أن عتبة لم يدخل في الإسلام ... لكن نفسه لانت للدين
فتأمل كيف أثر هذا الخلق الرفيع ... ومهارة حسن الاستماع في عتبة مع أنه من أشد الأعداء
وفي يوم أخر ... تجمع قريش ... فينتدبون حصين بن المنذر الخزاعي ... وهو أبو الصحابي الجليل عمران بن حصين
ينتدبونه لنقاش النبي عليه الصلاة والسلام ورده عن دعوته
يدخل أبو عمران على النبي صلى الله عليه وسلم وحوله أصحابه ... فيردد عليه ماتردده قريش دوماً ...فرقت جماعتنا ... شتت شملنا ... والنبي صلى الله عليه وسلم ينصت بلطف ... حتى إذا أنتهى
قال له صلى الله عليه وسلم بكا أدب : أفرغت يا أبا عمران
قال : نعم
قال : فأجبني عما أسألك عنه
قال :قل ... أسمع
فقال صلى الله عليه وسلم : يا أبا عمران ... كم إلهاً تعبد اليوم؟
قال : سبعة...!! ستة في الأرض ... وواحداً في السماء ...!!
قال : فأيهم تعد لرغبتك ورهبتك ؟
قال : الذي في السماء
فقال صلى الله عليه وسلم بكل لطف : يا حصين أما إنك لو أسلمت علمتك كلمتين ينفعانك ...
فما كان من حصين إلا أن أسلم في مكانه فوراً ... ثم قال : يا رسول الله ... علمنى الكلمتين اللتين وعدتني ... فقال صلي الله عليه وسلم : قل : اللهم ألهمني رشدي وأعذني من سر نفسي
آآآه ما أروع هذا التعامل الراقي ! وشدة تأثيره في الناس عند مخالطتهم ... وهذا التعامل الإسلامي الدعوي يفيد في دعوة الكفار وجذبهم إلى الخير
سافر أحد الشباب للدراسة في ألمانيا فسكن في شقة ... وكان يسكن أمامه شاب ألماني , ليس بينهما علاقة , لكنه جاره
سافر الأماني فجأة ... وكان موزع الجرائد يضع الجريدة كل يوم عند بابه ... انتبه صاحبنا لكثرة الجرائد...سأل عن جاره ... فعلم أنه مسافر ... لَمَّ الجرائد ووضعها في درج خاص ... وصار يجمعها كل يوم ويرتبها
لما رجع صاحبه بعد شهرين أو ثلاثة ... سلم عليه وهنأه بسلامة الرجوع ... ثم ناوله الجرائد
وقال له : خشيت أنك متابع لمقال ... أو مشترك في مسابقة... فأردت أن لا يفوتك ذلك
نظر الجار إليه متعجباً من هذا الحرص ... وقال : هل تريد أجراً أو مكافأة على هذا؟
قال صاحبنا : لا... لكن ديننا يمرننا بالإحسان إلى الجار... وأنت جار فلا بد من الإحسان إليك ... ثم مازال صاحبنا محسناً إلى ذلك الجار ... حتى دخل في الإسلام
وهذه والله هي المتعة الحقيقة بالحياة...
أن تشعر أنك رقم على اليمين ... لك بصمتك في الحياة... تتعبد لله بكل شئ حتى بأخلاقك
وكم صدَّ أعداداً كبيرة من الكفار عن الدخول في الإسلام تعاملات فريق من المسلمين معهم ...فيظلمونهم عمالاً ...ويغشونهم متسوقين ...ويؤذينهم جيراناً
فهلمَّ نبدأ من جديد معهم
إضاءة
خير الداعين من يدعو بافعاله قبل أقواله





المماليك والخدم

كان صلى الله عليه وسلم يحسن الدخول إلى قلوبهم بما يناسب
لما توفي عم النبي صلى الله عليه وسلم ...اشتد أذى قريش عليه صلى الله عليه وسلم
فخرج صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ... يلتمس من ثقيف النصرة والمنعة بهم من قومه ... ورجا أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله تعالى ... خرج إليهم وحده
وصل إلى طائف ... وعمد إلى نفر ثلاثة من ثقيف وهم سادة ثقيف وأشرافهم وهم أخوه ثلاثة ... عبد يا ليل ... ومسعود .... وحبيب ... بنو عمرو بن عمير
فجلس إليهم صلى الله عليه وسلم فداعهم إلى الله وكلمهم لما جاءهم له من نصرته على الإسلام و القيام معه على خالفه من قومه ... فردوا عليه رداً قبيحاً
فقال أحدهم : هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك
وقال الآخر: أما وجد الله أحداً أرسله غيرك ؟
أما ثالث فقال - متفلسفاً :
والله لا أكلمك أبداً !لئن كنت رسولاً من الله كما تقول لأنت أعظم خطراً من أن أرد عليك الكلام ... ولئن كنت تكذب على الله ماينبغي لي أن أكلمك
فلما سمع صلى الله عليه وسلم منهم الرد القبيح ... قام من عندهم ... وقد يئس من خير ثقيف ... لكنه خاف أن تعلم قريش بخبر ثقيف معه فيجترئون عليه أكثر
فقال لهم : إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا علىَّ
فلم يفعلوا ... وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصحون به
حتى أجتمع عليه الناس وألجؤوه إلى حائط لعتبة بن ربيعة ... وشيبة بن ربيعة ... وهما فيه ... ورجع عنه من سفهاء ثقيف ممن كان بعتيبه
فعمد صلى الله عليه وسلم إلى ظل حلبة من عنب فجلس فيه ...
وابنا ربيعة ينظران إليه ويريان ما يلقى من سفهاء أهل الطائف ... فلما رآه ابنا ربيعة وشيبة وما لقي تحركنا له رحمهما
فدعوا غلاماً لهما نصرانياً يقال له عداس .... وقالا له : خذ قطفاً من هذا العنب فضعه في هذا الطبق ... ثم اذهب به إلى ذلك الرجل فقل له يأكل منه ... ففعل عداس
وجاء بالعنب ... حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال له : كل ... فمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يده إيه وقال :"بسم الله " ثم أكل
نظر عداس إليه وقال : والله إن هذا الكلام مايقوله أهل هذه البلاد
فقال له صلى الله عليه وسلم :" ومن أهل أى بلاد أنت يا عداس ؟
وما دينك ؟"
قال : نصراني ... وأنا رجل من أهل نينوى
فقال صلى الله عليه وسلم :" من قريه الرجل الصالح يونس بن متى؟"
فقال عداس : وما يدريك مايونس بن متى ؟
فقال صلى الله عليه وسلم :" ذلك أخى ... كان نبياً ... وأنا نبي"
فأكب عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه ... وابنا ربيعة ينظران إليهما ... فقال أحدهما لصاحبه : أما غلامك فقد أفسده عليك
فلما رجع عداس لسيده ... وقد بدا عليه التأثر برؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم
وسماع كلامه
قال له سيده : ويلك ياعداس ! ما لك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه ؟
فقال : يا سيدي ما في الأرض شيء خير من هذا ... لقد أخبرني بأمر مايعلمه إلا نبي
فقال سيده : ويحك ياعداس لا يصرفنك عن دينك ... فإن دينك خير من دينه
فهل نستطيع نحن اليوم أن نجعل تعاملنا راقياً مع الجميع ... مهما كانت طبقاتهم؟
لمحه...
عامل البشر على أنهم بشر
لا على أشكالهم ... أو أموالهم ... أو وظائفهم




الجمعة، 4 مارس 2011

الصغار

كم هي المواقف التي وقعت لنا في صغرنا ولا تزال مطبوعة في اذهاننا إلى اليوم ... سواء كانت مفرحة أو محزنة
عُد بذاكرتك إلى أيام الطفولتك ...ستذكر لا محالة جائزة كرمت بها في مدرستك... أو أثناء أثناه عليك أحد في مجلس عام ... فهي مواقف تحفر صورتها في الذاكره فلا تكاد تنسى
وإلى جانب ذلك ...لا نزال نتذكر مواقف محزنة ... وقعت لنا في طفولتنا ... مدرس ضربنا
او خصومة مع زملاء في مدرسة
أو مواقف تعرضنا فيها للإهانة من أسرتنا ...
أو تعرض لها أحدنا من زوجة أبيه ... أو نحو ذلك
وكم صار الإحسان إلى الصغار طريقاً إلى التأثير ليس فيهم فقط ... بل في آبائهم وأهليهم ... وكسب محبتهم جميعاً
يتكرر كثيراً لمدرس المرحلة الابتدائية أن يتصل به أحد أبوي طالب صغير ويثني عليه وأنه أحبه لمحبة ولده له وكثرة ذكره بالخير
وقد يعبرون عن هذه المشاعر في لقاء عابر ... أو هدية أو رسالة
إذن لا تحتقر الابتسامة في وجه الصغير ... وكسب قلبه ... وممارسة مهارات التعامل الرائع معه
ألقيت يوماً محاضرة عن الصلاة لطلاب صغار في مدرسة
فسألتهم عن حديث حول اهمية الصلاة ...فأجاب أحدهم : قال صلى الله عليه وسلم :بين الرجل وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة
أعجبني جوابه... ومن شدة الحماس نزعت ساعة يدي وأعطيته إياها ... وكانت -عموماً -ساعة عادية كساعات الطبقة الكادحة...!
كان هذا الموقف مشجعاً لذلك الغلام ... أحب العلم أكثر ... وتوجه لحفظ القرآن ... وشعر بقيمته
مضت الأيام ... بل السنين ... ثم في أحد المساجد تفاجأت أن الإمام هو ذلك الغلام... وقد صار شاباً متخرجاً من كلية شريعة ... ويعمل في سلك القضاء بأحد المحاكم ... لم أذكره وإنما تذكرني هو...
فانظر كيف انطبعت في ذهنن المحبة والتقدير بموقف عاشه قبل سنين
وأذكر أني دعيت ليلة لإحدى الولائم
فإذا شاب مشرق الوجه يسلم علي بحرارةويذكرني بموقف لطيف وقع له معي في محاضرة أليتها في مدرسته لما كان غلاماً صغيراً
وكم ترى من الناس الذين يحسنون التعامل مع الصغار من يخرج من المسجد ... فترى أباً يجره ولده الصغير بيده ليصل إلى هذا الرجل فيسلم عليه ويبلغه بمحبة ولده له
وقد يقع مثل هذا الموقف في وليمة كبيرة أو عرس ... يكثر فيه المدعوون
ولا أكتمك انني أبالغ في إكرام الصغار والحفاوة بهم بعض الشيء ... بل والاستماع إلى أحاديثهم العذبه - وإن اكثر الأحيان غير مهمة - بل أزيد الحفاوة ببعضهم أحياناً إكراماً لوالده وكسباً لمحبته
أحد الأصدقاء كنت ألقاه أحياناً مع ولده الصغير... فكنت احتفي بالصغير وألاطفه ...
لقيني صديقي هذا يوماً في حفل كبير ... فأقبل إلي بولده يسلم علي ... ثم قال : ماذا فعلت بولدي !
يسألهم مدرسهم قبل أيام عن أمنياتهم في المستقبل ॥
فمنهم من قال : أكون طبيباً ... والآخر قال : أكون مهندساً
وولدي قال: أكون محمد العريفي !!
ويمكنك أن تلاحظ أنواع الناس في التعامل مع الصغار ... عندما يدخل رجل إلى مجلس عام ويطوف بالحاضرين مصافحاً ... وولده من خلفه يفعل كفعله ... فمن الناس من يتغافل عن الصغير ... ومنهم من يصافحه بطرف يده ...
ومنهم من يهزه يده مبتسماً مردداً : اهلاص يابطل ... كيف حالك ياشاطر ... فهذا الذي تنطبع محبته في قلب الصغير
بل وقلب أبيه وأمه
كان المربي الأول صلي الله عليه وسلم له أحسن التعامل مع الصغار
كان الأنس بن مالك أخ صغير ... وكان صلى الله عليه وسلم يمازحه ويكنيهبأبي عمير ... وكان للصغير طير صغير يلعب به ... فمات الطير
فكان صلى الله عليه وسلم يمازحه إذا لقيه .... ويقول : يا أبا عمير ... مافعل النغير؟ يعني الطائر الصغير
وكان يعطف على الصغار ويلاعبهم
ويلاعب زينب بنت أم سلمة ويقول : ( يا زوينب ... يا زوينب )
وكان إذا مر بصيبان يلعبون سلم عليهم ... وكان يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم ... ويمسح رؤسهم
وعند رجوعه صلى الله عليه وسلم من المعركه كان يستقبله الأطفال فيركبهم معه
فعند عودة المسلمين من مؤتة ... أقبل الجيش إلى المدينة راجعاً ... فتلقاهم النبي عليه الصلاة والسلام ... والمسلمون ... ولقيهم الصبيان يشتدون
فلما رأى صلى الله عليه وسلم الصبيان ... قال : خدوا الصبيان فاحملوهم ... وأعطوني ابن جعفر ... فأتي بعبد الله بن جعفر فأخذه فحمله بين يديه
وكان صلى الله عليه وسلم يتوضأ يوماً من ماء ... فأقبل إليه محمود بن الربيع طفل عمره خمس سنوات ... فجعل صلى الله عليه وسلم في فمه ماء ثم جمه في وجهه يمازحه
وعموماً ... كان صلى الله عليه وسلم ضحوكاً مزوحاً مع الناس ... يدخل السرور إلى قلوبهم ... خفيفاً على النفوس لا يمل أحد من مجالسته
أقبل إليه رجل يوماً يريد دابه ليسافر عليها او يغزو ... فقال صلى الله عليه وسلم مازحاً له : ( إني حاملك على ولد ناقة )
فعجب الرجل ... كيف يركب على جمل صغير ... لا يستطيع حمله
فقال : يارسول الله وما أصنع بولد الناقة؟
فقال صلى الله عليه وسلم : (وهل تلد الإبل الا النوق ) ....يعني ساعطيك بعيراً كبيراً ...لكنه قطعاً - قد ولدته ناقة
وقال صلى الله عليه وسلم يوماً لأنس ممازحاً (يا ذا الأذنين )
وأقبلت إليه امرأة يوماً تشتكي زوجها ... فقال لها صلى الله عليه وسلم : زوجك الذي في عينه بياض؟ ففزعت المرأة وظنت انه زوجها عمي بصره
كما قال الله عن يعقوب عليه السلام " وابيضت عيناه من الحزن " أي عمي
فرجعت فزعة إلى زوجها وجعلت تنظر في عينيه ... وتدقق ... فسألها عن خبرها؟!
فقالت : قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في عينك بياضاً
فقال لها : يا امرأة ... أما اخبرك أن بياضها أكثر من سوادها ... أي أن كل أحد في عينه بياض وسواد
وكان صلى الله عليه وسلم إذا مازحه أحد تفاعل معه ... وضحك وتبسم
دخل عليه عمر وهو صلى الله عليه وسلم غضبان على نسائه ...لما أكثرن عليه مطالبته بالنفقة
فقال عمر : يا روسول الله ...لو رأيتنا وكنا معشر قريش ... نغلب النساء ... فكنا إذا سألت أحدَنا امرأته نفقة قام إليها فوجأ عنقها
فلما قدمنا المدينة إذا قوم تغلبهم نساؤهم ... فطفق نساؤنا يتعلمنا من نسائهم
يعني فقويت علينا نساؤنا
فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم ... ثم زاد عمر الكلام ... فازداد تبسم النبي صلى الله عليه وسلم
تلطفاً مع عمر رضى الله عنه
وتقرأ في أحاديث أنه تبسم حتى بدت نواجذه ... إذن كان لطيف المعشر... أنيس المجلس
فلو وطّنا أنفسنا على مثل هذا التعامل مع الناس ... لشعرنا بطعم الحياة فعلاً
فكرة
الطفل طينة لينة نشكلها بحسب تعاملنا معه




النساء

كان جدي يتشهد بمثل قديم : (من غاب عن عنزه جابت تيس )... بمعنى أن من لم تجد عنده زوجته ... مايشبع عاطفتها ... ويروي نفسها ... فقد تحدثها نفسها بالأستجابة لغيره ... ممن يملك معسول الكلام


وليس المقصودهم بهذا المثل تشبيه الرجل والمرأة بالتيس والعنز ... معاذ لله ... المرأة شقيقة الرجل


ولئن كان الله قد وهب الرجل جسماً قوياً ...فقد وهبها عاطفة قوية ... وكم رأينا سلاطين الرجال وشجاعتهم تخور قوامهم عند قوة عاطفة امراة


ومن مهارات التعامل مع المرأة أن تعرف المفتاح الذي تؤثر من خلاله فيها : العاطفة ... فتقاتلها بسلاحها


كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصيك بالأحسان إلى المرأة ...واحترام عاطفتها ... لأجل أن تسعد معها .... وأوصى الأب بالأحسان إلى بناته ...فقال : ( من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامه أنا وهو وضم أصابعه)


وأوصى بها أولادها فقال فإنه لما سأله رجل فقال :


من أحق الناس بحسن صحابتي؟


قال : أمك ... ثم أمك .... ثم أمك ...ثم أبوك


بل أوصى صلى الله عليه وسلم بالمرأة زوجها ...وذم من غاضب زوجته أو أساء إليها


وأنظر إليه صلى الله عليه وسلم وقد قام في حجت الوداع ... فإذا بين يديه مائةُ ألف حاج ... فيهم الأسود والأبيض ... والكبير والصغير ...والغني والفقراء


صاح صلى الله عليه وسلم بهؤلاء جميعاً وقال لهم :ألا واستوصوا بالنساء خيراً ... ألا واستوصوا بنساء خيراً


وفي يوم من الأيام أطاف بازواج رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثيرين يشتكن ازواجهن


فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك... قام ... وقال : للناس : لقد طاف بآل محمد صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشتكن ازواجهن ... ليس أولائك بخياركم


وقال صلى الله عليه وسلم ( خيُركم خيُركم لأهله وانا خيركم لأهلى)


بل ... قد بلغ من إكرام الدين للمرأة ... أنها كانت تقوم الحروب ... وتسحق الجماجم ... وتطاير الرؤوس ... لأجل عرض امرأة واحدة


كان اليهود يساكنون المسلمين في المدينة ...وكان يغيظهم نزولُ الأمر بالحجاب ... وتستُر المسلمات ...ويحاولون ان يزرعوا الفساد والتكشف في صفوف المسلمات ...فما استطاعوا


وفي أحد الايام جاءت امرأة مسلمة إلى سوق يهود بني قينقاع ... وكانت عفيفة متسترة فجلست إلى صائغ هناك منهم


فاغتاظ اليهود من تسترها وعفتها ... وودوا لو يتلذذون بالنظر إلى وجهها ... أو لمسها والعبث بها ... كما كانوا يفعلون ذلك قبل إكرامها بلأسلام


فجعلو يريدونها على كشف وجهها ...ويغرونها لتنزع حجابها ... لإابت وتمنعت


فغافلها الصائغ وهي جالسة ... وأخذ طرف ثوبها من الأسفل ... وربطه إلى طرف خمارها المتدلي على ظهرها ...


فلما قامت .... ارتفع ثوبها من ورائها ...ونكشفت أعضاؤها


فضحك اليهود منها ... فصاحت المسلمة العفيفة ...وودت لو قتلوها ولم يكشفوا عوراتها ...


فلما راى ذلك رجل من المسلمين ... سل سيفه ووثب على الصائغ فقلتله ... فشد اليهود على المسلم فقتلوه


فلما علم النبي صلي الله عليه وسلم بذلك ....وان اليهود قد نقضوا العهد وتعرضو للمسلمات ... حاصرهم ... حتى استسلموا ونزلوا على حكمه


فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم ان ينكل بهم ...ويثأر لعرض المسلمة العفيفة ... قام إليه جندي من جند الشيطان...الذين لا يهمهم عرض المسلمات ... ولا صيانة المكرمات ... وإنما هم احدهم متعة بطنه وفرجه


قام رأس المنافقين ... عبد الله بن أبي بن سلول ... فقال : يامحمد أحسن في موالي اليهود ...وكانوا أنصاره في الجاهلية ... فأرعض عنه النبي صلى الله عليه وسلم صيانه لعرض المسلمات .... وغيرة العفيفات


فغضب ذلك المنافق ... وأدخل يده في جيب درع النبي صلى الله عليه وسلم ...وجره وهوا يردد : أحسن إلى الموالي ... أحسن إلى موالي ... فغضب النبي صلى الله عليه وسلم والتفت إليه وصاح به وقال :


أرسلني


فأبى المنافق... وأخذ يناشد النبي صلى الله عليه وسلم العدو عن قتلهم


فالتفت اليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال : هم لك ... ثم عدل عن قتلهم ... لكنه صلى الله عليه وسلم أخرجهم من المدينة ... وطردهم من ديارهم ... نعم المرأة العفيفة تستحق أكثر من ذلك
كانت خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها من الصحبيات الصالحات ... وكان زوجها أوس بن الصامت شيخاً كبيراً يسرع إليه الغضب ...دخل عليها يوماً راجعاً من مجلس قومه ... فكلمها في شيء فردت عليه ... فتخاصما
فغضب وقال :انت على كظهر أمي ...وخرج غاضباً
كانت هذه الكلمة في الجاهلية إذا قالها الرجل لزوجته صارت طلاقاً ... أما في الأسلام فلا تعلم خولة حكمها
رجع أوس إلى بيته ... فإذا امرأته تتباعد عنه
وقالت له : والذي نفس خويلة بيده لا تخلُصُ إلى وقد قلت ما قلت ... حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه
ثم خرجت خولة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرتله ماتلقى من زوجها وجعلت تشكو إليه ماتلقى من زوجها وسوء خلقه معها
فجعل الرسول الله صلى الله عليه وسلم يصبرها ويقول: ياخويلة ابن عمك ... شيخ كبير ... فتقي الله فيه... وهي تدافع عبراتها وتقول : يا رسول الله ... أكل شبابي ونثلرت له بطني ... حتى إذا كبرت سني ... وانقطع ولدي ... ظاهر مني ... اللهم أني أشكوك إليك
وهو صلى الله عليه وسلم يتنظر أن ينزل الله تعالى فيها حكماً من عنده ...
فبينما خويلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ هبط جبريل من السماء على الرسول الله صلى الله عليه وسلم بقرآن فيه حكمها وحكم زوجها
فالتفت صلى الله عليه وسلم إليها وقال : يا خويلة ... قد أنزل فيك وفي صاحبك قرآناً ... ثم قرأ (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاورمما إن الله سميع بصير)إفى أخر الايات من سورة المجادلة
ثم قال لها : صلى الله عليه وسلم : مُريه فليعتق رقبة
فقالت : يرسول الله ... ماعنده مايعتق
قال : فليصم شهرين متتابعين
قالت :والله إنه لشيخ كبير ما له من صيام
قال : فليطعم ستين مسكيناً وسقاً من التمر
قالت : يا رسول الله ... ما ذاك عنده
فقال صلى الله عليه وسلم : فإنا سنعينه بعرق من تمر
قالت : والله يارسول الله ... أنا سأعينه بعرق آخر
فقال صلى الله عليه وسلم : قد أصبت وأحسنت ...فاذهبي فتصدقي به عنه ... ثم استوصي بابن عمك خيراً
فسبحان من وهبه اللين والتحمل مع الجميع ... حتى في مشاكلهم الشخصية ... يتفاعل معهم
وقد جربت بنفسي ...التعامل باللين والمهرات العاطفية مع البنت والزوجة ... وقبل ذلك الأم والأخت ... فوجدت لها من التأثير الكبير مالايتصوره إلا من مارسه
فالمرأة لا يكرمها إلا كريم ... ولا يهينها إلا لئيم
وقفة
قد تصبر المرأة على ...
فقر زوجها ... قبحه ...وانشغاله
لكنها قل أن تصبر على سوء خلقه


مع الفقراء

عدد من الناس اليوم أخلاقهم تجاريه
فالغني فقط هو الذي تكون نكته طريفه فيضحكن عند سماعها ... واخطاؤه صغيره ... فيتغاضون عنها
أما الفقراء فنكتهم ثقبلة ... يسخر بهم عند سماعها ... وأخطاؤهم جسيمة ... يصرخ بهم عند وقوعها
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان عطفه على الغني والفقراء سواء
قال أنس رضي الله عنه :كان رجل من اهل البادية أسمه زاهر بن حرام
وكان ربما جاء المدينة في حاجة فيهدي للنبي صلى الله عليه وسلم من الباديه شيئاً من إقط أو سمن ... فُيجهزه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج إلى أهله بشيء من تمر ونحوه
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه ...وكان يقول :( إن زاهراً باديتنا ... ونحن حاضروه )... وكان زاهراً دميماً
خرج زاهر رضي الله عليه يوماً من باديته ... فأتى بيت الرسول الله صلى الله عليه وسلم ...فلم يجده ... وكان معه متاع فذهب به إلى السوق
فلما علم به النبي صلى الله عليه وسلم مضى إلى السوق يبحث عنه ... فأتاه فإذا هو يبيع متاعه ... والعرق يتصبب منه ... وثيابه أهل البادية وبشكلها ورائحتها
فحتضنه صلى الله عليه وسلم من ورائه , وزاهر لا يبصره ... ولا يدري من أمسكه
ففزع زاهر وقال : أرسلني... من هذا؟
فسكت النبي عليه الصلاة وسلام
فحاول زاهر أن يتخلص من القبضة ...وجعل يلتفت وراءه...
فرأى النبي صلى الله عليه وسلم فاطمأنت نفسه
وسكن فزعه
وصار يُلصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه ... فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يمازح زاهراً ... ويصبح بالناس يقول:
من يشتري العبد ؟
من يشتري العبد؟
فنظر زاهر في حاله ... فإذا هو فقير كسير ...لا مال ... ولا جمال
فقال : إذاً والله تجدني كاسداً يارسول الله
فقال صلى الله عليه وسلم : لكنك عند الله لست بكاسد ... أنت عند الله غال
فلا عجب أن تتعلق قلوب الفقراء به صلى الله عليه وسلم وهو يملكهم بهذه الأخلاق ... كثير من القراء ... قد لا يعيب على الأغنياء البخل عليه بالمال والطعام ... ولكنه يجد عليهم بخلهم باللطف وحسن المعاشرة
وكم من فقير تبسمت في وجهه...
وأشعرته بقيمته واحترامه...
فرفع في ظلمه الليل يداً داعية ...
يستنزل بها لك الرحمات من السماء...
ورب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لا يؤبه له ... لو أقسم على الله لأبره فكن دائم البشر مع هؤلاء الضعفاء
إشارة
لعل ابتسامة في وجه فقير... ترفعك عند الله درجات

الثلاثاء، 1 مارس 2011

استمتع بالمهارات

المهارات متعة حسية ,لا أعني بها الأجر الأخروي فقط , لا وأنما هي متعة وفرح تشعر به حقيقة ...فاستمتع بها , ومارسها مع جميع الناس ,كبيرهم وصغيرهم , غنيهم , وفقيرهم ,قريبهم وبيعيدهم ...كلهم ... مارس معهم هذه المهارات ...إما لا تقاء أذاهم ...أو لكسب محبتهم ...أو لإصلاحهم ... نعم إصلاحهم
كان علي بن الجهم شاعراً فصيحاً ... لكنه كان أعربياً جلفاً لا يعرف من الحياة إلا ما يراه في صحراء ... وكان المتوكل خليفة متمكناً ... يغدي عليه ويراح بما يمشتهي
دخل علي بن الهجم بغداد يوماً فقيل له :
إن من مدح الخليفة حظي عنده ولقي منه الأعطيات
فستبشر علي ويمم جهة قصر الخلافة... دخل على المتوكل
فرأى الشعراء ينشدون ويربحون ... والمتوكل هو المتوكل... سطوة وهبية وجبروت ... فانطلق مادحاً الخليفة بقصيدة مطلعها :
يا أيها الخليفة...
أنت كالكلب فيحفظك للود ××× وكالتيس في قراع الخطوب
أت كالدلو لا عدمتك دلواً ××× من كبار الدلاْ كثير الذَّنُوب
ومضى يضرب للخليفة الأمثلة بالتيس والعنز والبئر والتراب ... بعدما كان يُشبه بالشمس والقمر والجبال!!
فثار الخليفة ... وانتفض الحراس ... واستل السياف سيفه ... وفرش النطع ... وتجهز للقتل ... لإادرك الخليفة أن علي بن الهجم قد غلبت عليه طبيعته
فأراد أن يغيرها ...فأمر به فأسكنوه في قصر منيف .... تغدو عليه أجمل الجواري وتروح بما يلذ ويطيب
ذاق علي بن الهجم النعمة ... واتكأ على الارائك ... وجالس أرق لشعراء .... وأغزل الأدباء ... ومكث على هذا الحال سبعة أشهر
ثم جلس الخليفة مجلس سمر ليلة ...فتذكر علي بن الهجم ... فسأل عنه , فدعوه له ...فلما مثل بي يديه ... قال : أنشدني ياعلي بن الهجم
فنطلق منشداً قصيدة مطلعها
عيون المها بين الرصافة والجسر ××× جلبن الهوى من حيث ادري ولا أدري
أعدن لي شوق القديم ولم يكن ××× سلوت ولكن زدن جمراً على جمر
ومضى يحرك المشاعر بأرق الكلمات ... ثم شرع يصف الخليفة بالشمس والنجم والسيف
فانظر كيف استطاع الخليفة أن يغير طباع ابن الهجم ...ونحن كم ضايقتنا طباع لأولادنا أوأصدقائنا فهل سعينا لتغيرها ... فغيرناها
ومن باب أولى أن تقدر على تغيير طباعك... فتقلب العبوس تبسماً ... والغضب حلماً والبخل كرماً ... وهذا ليس صعباً ...لكنه يحتاج إلى عزيمة ومراس .... فكن بطلاً
ومن نظر في سيرة محمد صلى الله عليه وسلم وجد أنه كان يتعامل مع الناس بقدرات أخلاقية , ملك بها قلوبهم ... ولم يكن صلى الله عليه وسلم يتصنع هذه الأخلاق أمام الناس ... فإذا خلا بأهل بيته... انقلب حلماً غضباً ولينه غظاً
لا ... ماكان بساماً مع الناس عبوساً مع أهل بيته
ولا كريماً مع الخلق إلا مع ولده وزوجته
لا .... بل كانت أخلاقه سجية ... يتعبد الله تعالى بها ... كما يتعبد بصلاة الضحى وقيام الليل ... يحتسب ابتسامه قربة ... ورفقه عبادة ... وعفوَه ولينَه حسنات ... إن من أعتبر حسن الخلق عبادة
تحلى بها في جميع أحواله ... في سلمه وحربه ... وجوعه وشبعه ... وصحته ومرضه ... بل فرحه وجزنه
نعم ... كم من الزوجات تسمع عن أخلاق زوجها ... وسعة صدره ... وابتسامته وكرمه ... ولكنها لم تر من ذلك من شيئاً ... فهو في بيته سيئُ الخلق ... ضيق الصدر ... عابيُ الوجه ... صخاب لعان ... بخيل ومنان
أما هو صلى الله عليه وسلم هو الذي قال : ( خيركم خيرُكم لأهله , وأنا خيركم لأهله )
وانظر كيف كان يتعامل مع أهله ... قال الأسود بن يزيد : سألت عائشة رضي الله عنها ما كان رسول صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته ؟
فقالت : يكون فى مهنة أهله ...فإذا حضرت الصلاة يتوضأ ويخرج للصلاة ... وقل مثل ذلك مع الوالدين
فكم هم أولئك الذين نسمع عن حسن أخلاقهم ... وكرمهم وتسهم ... وجميل معاشرتهم للآخرين
أما مع أقرب الناس إليهم ... واعظم الناس حقاً عليهم ... مع الوالدين والزوجة والأولاد فجفاء وهجر
نعم ... خيركم خيركم لأهله ... لوالديه ... لزوجه ... لخدمه ... بل ولأطفاله
في يوم مليء بالمشاعر ....يجلس أبو ليلى رضي الله عنه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ...فيلأتي الحسن أو الحسين يمشي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ... فيأخذه صلى الله عليه وسلم ... فيقعده على بطنه
فبال الصغير على بطن رسول الله صلى الله عليه وسلم ...قال أبو ليلى : حتى رأيت بوله على بطن رسول الله صلى الله عليه وسلم أساريع
قال : فوثبنا إليه ... فقال صلى الله عليه وسلم :دعوا ابني ... لا تفزعوا ابني... فلما فرغ الصغير من بوله ... دعا صلى الله عليه وسلم بماء فصبه عليه
فلله دره كيف تورضت نفسه على هذه الأخلاق ... فلا عجب إذن أن يمكل قلوب الصغار والكبار
رأي...
بدل أن تسب الظلام ... حاول إصلاح المصباح