السبت، 5 مارس 2011

مع المخالفين

الكفار ... كان صلى الله عليه وسلم يعاملهم بالعدل... ويستميت في سبيل دعوتهم وإصلاحهم ... ويتحمل أذاهم ... ويتغاضى عن سوئهم

كيف لا ... وقد قال له ربه : ( وما أرسلناك إلا رحمة
لمن ؟! للمؤمنين ؟!
لا ... ( إلا رحمة للعالمين )

وتأمل حال اليهود ... يذمونه ويبتدئون بالعدواة ... ومع ذلك يرفق بهم

وعن عائشة رضى الله عنها قالت : إن اليهود مروا ببيت النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : السام عليكم ( أى : الموت عليكم )

فقال صلى الله عليه وسلم : وعليكم

فلم تصبرعائشة لما سمعتهم ... فقالت : السام عليكم ... ولعنكم الله وغضب عليكم

فقال صلى الله عليه وسلم :مهلاً ياعائشة ... عليك بالرفق ... وإياك والعنف والفحش

فقالت : أو لم تسمع ما قالوا؟

فقال : أو لم تسمعي ما قلت ؟! رددت عليهم فيستجاب لي ... ولا يستجاب لهم فّي... نعم ما الداعي إلى مقابلة السباب بالسباب! أليس الله قد قال له (وقولوا لناس حُسْناً )
وفي يوم ... خرج النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في غزوة ... فلما كانوا في طريق عودتهم ... نزلوا في واد كثير الشجر ... فتفرق الصحابة تحت الشجر وناموا ... وأقبل صلى الله عليه وسلم إلى شجرة فعلق سيفه بغصن من أغصانها ... وفرش ونام
في هذه الأثناء كان رجل من المشركين يتبعهم ... فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم خالياً ...أقبل يمشي بهدوء ... حتى التقط السيف من على الغصن... وصاح بأعلى صوته : يامحمد ... من يمنعك مني؟

فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ... والرجل قائم على رأسه ... سيف في يده ... يلتمع منه الموت ... كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وحيداً ... ليس عليه إلا إزار ...أصحابه متفرقون عنه ... نائمون ... والرجل يعيش نشوة القوة والانتصار ... ويردد : من يمنعك منى ؟ من يمنعك مني؟
فقال صلى الله عليه وسلم بكل ثقة : الله
فانتفظ الرجل وسقط السيف

فقام صلى الله عليه وسلم والتقط السيف وقال : من يمنعك مني ؟

فتغير الرجل ... واضطرب ... وأخذ يسترحم النبي صلى الله عليه وسلم ... ويقول : لا أحد ... كن خير آخذ ...

فقال له صلى الله عليه وسلم :تسلم ؟
قال : لا ... ولكن لا أكون في قوم هم حرب لك ... فعفا عنه صلى الله عليه وسلم ... وأحسن إليه!!
وكان الرجل ملكاً في قومه ...فانصرف إليهم فدعاهم إلى الإسلام ... فأسلمو ... نعم أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم ...

بل حتى مع الأعداء الألداء كان صلى الله عليه وسلم له خلق عظيم ... كسب به نفسهم ... وهدى قلوبهم ... ودحر به كفرهم

لما ظهر صلى الله عليه وسلم بدعوته بين الناس ... جعلت قريش تحاول حربه بكل سبيل ... وكان مما بذلته أن تشاور كبارهم في التعامل مع دعوته صلى الله عليه وسلم ... وتسارع الناس للإيمان به

فقالوا: انظرو أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر فليأت هذا الرجل الذي فرق جماعتنا ... وشتت أمرنا ... وعاب ديننا ... فليكلمه ولينظر ماذا يرد عليه

فقالوا: ما نعلم أحد غير عتبة بن ربيعة

فقالوا: أنت يا أبا الوليد ... وكان عتبة سيداً حليماً
فقال : يامعشر قريش ... اترون ان أقوم إلى هذا فأكلمه ... فأعرض عليه أموراً لعله ان يقبل منها بعضها
قالوا: نعم يا أبا الوليد
فقام عتبة وتوجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ... دخل عليه فإذا هو صلى الله عليه وسلم جالس بكل سكينة ... فلما وقف عتبة بين يديه ... قال : يامحمد ! أنت خير أم عبد الله ؟!
فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ... تأديباً مع أبيه عبد الله
فقال : أنت خير أم عبد المطلب ؟
فسكت صلى الله عليه وسلم ... تأدباً مع جده عبد المطلب
فقال عتبة : فإن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد عبدوا الآلهة التي عِبتَ... وإن كنت تزعم أنك خير منهم ...فتكلم حتى نسمع قولك
وقبل أن يجيب النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة... ثار عتبة وقال :
إنا والله ما رأينا سخلة قط أشأم على قومه منك !! ... فرقت جماعتنا ... وشتت أمرنا ... وعبت ديننا ... وفضحتنا في العرب ... حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحراً ... وأن في قريش كاهناً ... والله ما ننتظر إلا مثل صيحة الحلبى ... أن يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف حتى نتفانى
كان عتبة متغيراً غضبان ... والنبي صلى الله عليه وسلم ساكت بكل أدب ... وبدأ عتبة يقدم إغراءات ليتخلى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدعوة
فقال : أيها الرجل إن كنت جئت بالذي جئت به لأجل المال ... جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلاً
وان كنت إنما بك حب الرئاسة ... عقدنا ألويتنا لك فكنت رأساً ما بقيت ... وإن كان إنما بك الباه والرغبة في النساء ...فاختر أىَّ نساء قريش فلنزوجك عشراً ...!!
وإن كان هذا الذي ياتيك رئياً من الجن تراه ... لا تستطيع رده عن نفسك ...طلبنا لك الطب... وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه ... فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يتداوى منه
ومضى عتبة يتكلم بهذا الأسلوب السيئ مع الرسول الله صلى الله عليه وسلم ...ويعرض عليه عروضاً ويغريه ... والنبي عليه الصلاة ة السلام ينصت إليه بكل هدوء ... وانتهت العروض ... ملك ... مال ... نساء ... علاج جنون !!
سكت عتبة ... وهدأ... ينتظر الجواب ... فرفع النبي عليه الصلاة والسلام بصره إليه وقال بكل هدوووووء : أفرغت يا أبا الوليد ؟
لم يستغرب عتبة هذا الأدب من الصادق المين ... بل قال باختصار : نعم
فقال صلى الله عليه وسلم : أسمع مني
قال : أفعل
فقال صلى الله عليه وسلم : بسم الله الرحمن الرحيم (حم × تنزيل من الرحمن الرحيم × كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون ×بشيراً ونذيرً فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون....)
ومضى النبي عليه الصلاة واسلام ... يتلوا الآيات وعتبة يستمع ... وفجأه جلس عتبة على الأرض ... ثم اهتز جسمه ... فألقى يديه خلف ظهره ... واتكأ عليها... وهو يستمع ... ويستمع
والنبي يتلو ... يتلو ... حتى بلغ قوله تعالى ( فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود )
فانتفض عتبه لما سمع التهديد بالعذاب ... وقفز ووضع يديه على فم رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ليوقف القراءة
فاستمر صلى الله عليه وسلم يتلو الآيات ... حتى انتهى إلى الآية التي فيها سجدة التلاوة ... فسجد ... ثم رفع رأسه من سجوده ...ونظر إلى عتبة وقال : سمعت يا أبا الوليد ؟
فال : نعم
فقال : فأنت وذاك
فقام عتبة يمشي إلى أصحابه ... وهم ينتظرونه متشوقين
فلما أقبل عليهم ... قال بعضهم لبعض : نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به
فلما جلس إليهم ... قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد ؟
فقال : ورائي أني والله سمعت قولاص ما سمعت مثله قط ... والله ما هو بالشعر ...ولا السحر ...و لا الكهانة
يا معشر قريش : أطعوني واجعلوها بي ...خلوا بين هذا الرجل وبين ماهو فيه ... فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم ...يا قوم!!
قرأ بسم الله الرحمن الرحيم ( تنزيل من الحمن الحيم ) حتى بلغ : ( فقل انذرتكم صاعقة عاد وثمود ) فأمسكته بفيه ... وناشدته الرحم أن يكف ... وقد علمتم أن محمداً إذا قال شيئاً لم يكذب ... فخفت أن ينزل بكم العذاب
ثم سكت أبو الوليد قليلاً متفكراً
وقومه واجمون يحدون النظر إليه
فقال : والله إن لقوله لحلاوة ... وإن عليه لطلاوة ... وإن أعلاه لمثمر ... وإن أسفله لمغدق ... وإنه ليعلمو وما يعلى عليه ... وإنه ليحطم ماتحته ... ومايقول هذا بشر ... مايقول هذا بشر
قالوا : هذا شعر يا أبا الوليد ... شعر
فقال : والله ما رجل أعلم بالأشعار منى ... ولا أعلم برجزه ولا بقصيده منى ... ولا بأشعار الجن ... والله مايشبه هذا الذي يقول شيئاً من هذا
ومضى عتبة يناقش قومه في امر رسول الله صلى الله عليه وسلم ...صحيح أن عتبة لم يدخل في الإسلام ... لكن نفسه لانت للدين
فتأمل كيف أثر هذا الخلق الرفيع ... ومهارة حسن الاستماع في عتبة مع أنه من أشد الأعداء
وفي يوم أخر ... تجمع قريش ... فينتدبون حصين بن المنذر الخزاعي ... وهو أبو الصحابي الجليل عمران بن حصين
ينتدبونه لنقاش النبي عليه الصلاة والسلام ورده عن دعوته
يدخل أبو عمران على النبي صلى الله عليه وسلم وحوله أصحابه ... فيردد عليه ماتردده قريش دوماً ...فرقت جماعتنا ... شتت شملنا ... والنبي صلى الله عليه وسلم ينصت بلطف ... حتى إذا أنتهى
قال له صلى الله عليه وسلم بكا أدب : أفرغت يا أبا عمران
قال : نعم
قال : فأجبني عما أسألك عنه
قال :قل ... أسمع
فقال صلى الله عليه وسلم : يا أبا عمران ... كم إلهاً تعبد اليوم؟
قال : سبعة...!! ستة في الأرض ... وواحداً في السماء ...!!
قال : فأيهم تعد لرغبتك ورهبتك ؟
قال : الذي في السماء
فقال صلى الله عليه وسلم بكل لطف : يا حصين أما إنك لو أسلمت علمتك كلمتين ينفعانك ...
فما كان من حصين إلا أن أسلم في مكانه فوراً ... ثم قال : يا رسول الله ... علمنى الكلمتين اللتين وعدتني ... فقال صلي الله عليه وسلم : قل : اللهم ألهمني رشدي وأعذني من سر نفسي
آآآه ما أروع هذا التعامل الراقي ! وشدة تأثيره في الناس عند مخالطتهم ... وهذا التعامل الإسلامي الدعوي يفيد في دعوة الكفار وجذبهم إلى الخير
سافر أحد الشباب للدراسة في ألمانيا فسكن في شقة ... وكان يسكن أمامه شاب ألماني , ليس بينهما علاقة , لكنه جاره
سافر الأماني فجأة ... وكان موزع الجرائد يضع الجريدة كل يوم عند بابه ... انتبه صاحبنا لكثرة الجرائد...سأل عن جاره ... فعلم أنه مسافر ... لَمَّ الجرائد ووضعها في درج خاص ... وصار يجمعها كل يوم ويرتبها
لما رجع صاحبه بعد شهرين أو ثلاثة ... سلم عليه وهنأه بسلامة الرجوع ... ثم ناوله الجرائد
وقال له : خشيت أنك متابع لمقال ... أو مشترك في مسابقة... فأردت أن لا يفوتك ذلك
نظر الجار إليه متعجباً من هذا الحرص ... وقال : هل تريد أجراً أو مكافأة على هذا؟
قال صاحبنا : لا... لكن ديننا يمرننا بالإحسان إلى الجار... وأنت جار فلا بد من الإحسان إليك ... ثم مازال صاحبنا محسناً إلى ذلك الجار ... حتى دخل في الإسلام
وهذه والله هي المتعة الحقيقة بالحياة...
أن تشعر أنك رقم على اليمين ... لك بصمتك في الحياة... تتعبد لله بكل شئ حتى بأخلاقك
وكم صدَّ أعداداً كبيرة من الكفار عن الدخول في الإسلام تعاملات فريق من المسلمين معهم ...فيظلمونهم عمالاً ...ويغشونهم متسوقين ...ويؤذينهم جيراناً
فهلمَّ نبدأ من جديد معهم
إضاءة
خير الداعين من يدعو بافعاله قبل أقواله





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق